الخميس، 9 ديسمبر 2010

رجاء كفانا نزاهة ( بقلم الكاتب فهمي هويدي )


من يطالع الصحف الحكومية الصادرة يوم الثلاثاء الماضى (30/11) يلاحظ أنها ما برحت تلح فى عناوينها وتعليقانها وتقسم بـ«الثلاثة» على أن الانتخابات كانت نزيهة وشفافة، وأن الأمن كان فى أروع أدواره. من ثم فإن «الليلة الكبيرة» فى عرس الديمقراطية مرت على أفضل ما تكون. إلى غير ذلك من المبالغات التى افترضت فى الناس البلاهة والغباء.

وهو مسلك لا يفسر إلا بأنه محاولة انطلقت من عمق الشعور بالذنب استهدفت تغطية الفضيحة وستر العورة عبر الإصرار على إقناع القارئ بتكذيب حواسه وتصديق ما يتعذر عليه تصديقه.

ربما كان مبكرا تحليل نتائج الانتخابات الآن، قبل جوله الإعادة يوم الأحد المقبل، التى يفترض أن يتنافس فيها المرشحون على 250 مقعدا. لكن ثمة مؤشرات ظهرت فى الجولة الأولى جديرة بالملاحظة بينها ما يلى:

أن اللجنة العليا للانتخابات كانت غائبة تماما عن المشهد، وأبسط دليل على ذلك أن الذين كانوا يذهبون إلى مقرها لم يكن يستقبلهم سوى ضباط أمن الدولة الذين كلفوا بإدارة العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها.

أن رجال أمن الدولة أشرفوا على تزوير الانتخابات وتقفيل الدوائر فى بعض اللجان. وقصة القاضى الوليد الشافعى تشهد بذلك. حين ذكر الرجل صراحة أن رئيس مباحث البدرشين هو الذى احتجزه ومنعه من الدخول لكى يتابع ما يجرى فى اللجان التى كان التزوير فيها جاريا على قدم وساق. وحين يتصرف رئيس المباحث على ذلك النحو فتلك لا تعد مبادرة شخصية من جانبه، لكنه هو وأمثاله نفذوا تعليمات صدرت إليهم.

أن القضاة الذين انتدبوا لمراقبة سير العملية الانتخابية (عددهم 2000) تم اختيارهم بمواصفات خاصة ــ وكان رئيس اللجنة العامة لدائرة «البدرشين» نموذجا لذلك. حيث رفض أن يتخذ أى إجراء فى واقعة احتجاز القاضى الوليد الشافعى، فرفض أن يحرر مذكرة بالواقعة. بل رفض تسلم المذكرة التى سجل فيها الوليد تفاصيل ما جرى.

وتبين أن أولئك القضاة المراقبين اختارتهم جهة مجهولة (أظنك تعرفها) من وراء ظهر مجلس القضاء الأعلى الذى يشترط القانون موافقته المسبقة على ذلك. وهو ما أكده المستشار أحمد مكى النائب الثانى لرئيس محكمة النقض. فى تصريح نشرته «الشروق» (يوم 30/11) كذب فيه الادعاء بأن مجلس القضاء وافق على الانتداب، وقال إنه حضر جميع جلسات المجلس ولم يعرض عليه هذا الموضوع.

أن النتائج التى أعلنت فى الجولة الأولى كانت حافلة بالدلالات. إذ ليست مصادفة أن ينجح جميع الوزراء المرشحين بلا استثناء، وأن يسقط جميع الأشخاص الذين رفعوا أصواتهم ومارسوا بعض الجرأة أو المشاغبة فى المجلس السابق، وليست مصادفة ألا ينجح أحد من جماعة الإخوان المسلمين، الذين كان يمثلهم فى المجلس السابق 88 عضوا.

بدا واضحا أن التفاهمات أو الصفقات التى عقدت مع قادة بعض الأحزاب السياسية تم تجاهلها، والوعود التى أعطيت لتلك الأحزاب نسفت على نحو فاجأ أطرافها وصدمهم. وكنت واحدا من الذين سمعوا فى وقت مبكر من أحد شهود اللعبة بيانا بالمقاعد التى ستوزع على تلك الأحزاب حددت حصصا لكل من الوفد وحزب التجمع وحدا أقصى غير مسموح للإخوان بتجاوزه. ولكن النتائج التى أعلنت عصفت بكل ذلك وجاءت مخيبة للآمال. وحين سألت فى ذلك بعض أهل الذكر فى الموضوع، كان ردهم أن الذين عقدوا الصفقات كانوا غير الذين أداروا العملية الانتخابية، وأن حسابات كل طرف كانت مختلفة عن الآخر. وحين تعارضت الحسابات فإن رموز الحرس القديم فى داخل الحزب الوطنى خرجوا خاسرين. وكان الفائز بامتياز هم رموز الحرس الجديد الذين تمثلهم لجنة السياسات.

الذين أطاحوا بالصفقات المعقودة فضلوا أن يفتحوا الباب لتمثيل الأحزاب المجهولة لكى تشكل «ديكورا» للمعارضة فى المجلس الجديد. وبعض هؤلاء تم إنجاحهم من الجولة الأولى بنسبة عالية من الأصوات، فى حين أنهم غير معروفين فى المجال العام ناهيك عن أن أحزابهم لم يسمع بها أحد.

إن الذين أداروا اللعبة فى الحزب الوطنى وقعوا فى خطأ استراتيجى كبير حين جعلوا المنافسة فى بعض الدوائر بين مرشح قبطى وآخر مسلم، وأحيانا مرشح قبطى فى مواجهة مرشح من الإخوان المسلمين، لأن من شأن ذلك إحداث نوع غير صحى من الاصطفاف الطائفى الذى يهيئ مناخا مواتيا للفتنة.

فشلت جهود الحصار والتعتيم التى تنافست فيها أجهزة الدولة للتستر على فضائح الانتخابات. والفضل فى ذلك راجع لجهود بعض الشبان الشجعان الذين مكَّنونا من متابعة ما يجرى عبر مواقع الإنترنت كما نجحوا فى تصوير وتسجيل الأحداث التى وقعت، حتى إن إحدى منظمات مراقبة الانتخابات توفر لديها 60 شريطا مصورا للتزوير والعنف اللذين مورسا فى اللجان.
إذا كانت هذه هى الانتخابات النزيهة، فهل لنا أن نحلم بأن نشهد يوما انتخابات غير نزيهة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق