الثلاثاء، 25 مايو 2010

المرشد العام يكتب: الإسلام هو الحل.. فما الإسلام؟ وكيف يكون الحل؟




الإسلام: ليس منهجًا بشريًّا، ولكنه منهج رباني أنزله مَنْ خلق النفس البشرية، ويعلم ما يصلح لها وما يصلحها @831;أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)@830; (الملك).. وأستدرك فأقول: إن المقدس فيه هو العقيدة وأصول الشريعة والأخلاق والمعاملات.. أما الفروع فهي تسمح بتعدد الآراء والاجتهادات، بل والنيات حسب الظروف والأحوال الخاصة والعامة، وترحب بالصالح النافع من كل مصدر إسلامي أو غير إسلامي "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها" كما قال صلى الله عليه وسلم، كذلك لا توجد قداسة أو عصمة لبشر مهما بلغت درجته في المسئولية الدينية أو الحكومية أو الرئاسية، وليس معنى الإسلام هو الحل أن نخلط الفروع بالأصول والثوابت بالمتغيرات "نثبت المتغير فيحدث الجمود " أو "تغير الثابت فيحدث التحلل من القواعد والقيم"، وهذا أكثر ما وقع فيه بعض الجماعات قديمًا وكثير من الإعلاميين والصحفيين حديثًا.

وقد أوجزها وأجملها- وما أجملها- كلمة قالها الصحابي الجليل الحباب بن المنذر رضي الله عنه لمن هو خير مني ومنك ومن كل الرؤساء والزعماء والقادة (أهو منزل أنزلكه الله؟!) أي ثابت من الثوابت ليس مجالاً للرأي؟ (أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟) أي متغير من المتغيرات يسمح فيه بالاجتهاد والاقتراح حسب ضوابط الأصول؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، أي شجعه على إبداء الرأي الذي هو فعلاً قد جهَّزه وجاء به- وهذه إيجابية ذاتية رائعة- وأذن ووافق على التعديل والتغيير ليكتمل التشريع بالتطبيق، وأمر بتنفيذه فورًا، وكان بفضل الله أحد أسباب النصر في غزوة بدر الكبرى.

والذين يدَّعون بأن حكمَ الإسلام حكمُ حكومة دينية، كلام وزرائها مقدس، لا يقبلون نصيحة، ويرفعون في وجه كل مخالف لهم في الرأي سيفًا معنويًّا بأن كلامنا بالآية والحديث أي لا نقبل نصيحة ولا توجيهًا.. هؤلاء مخطئون أو متعمدون لا يخوِّفون غير المسلمين بل المسلمين أنفسهم؛ عن التحاكم لشرع الله الذي قال عنه رب العزة: @831;فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)@830; (النساء).










وبعد ذلك تأتي الحدود التي وضعها تشريع الله لنا لعلاج حالات الانحراف الفردية؛ لأن البشر ليسوا ملائكة، ولقد حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ما يستوجب إقامة الحدود، ولكن من نفوس لوامة رجاعة إذا أخطأت اعترفت، فما احتاجت لكل هذه الرقابة الأمنية التي لا تجدي، بل إلى رقابة الضمير وتأنيبه؛ فجاءت هي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتطلب التطهير، وانظروا إلى قول السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان أول ما نزل من القرآن أن ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى ربهم نزلت آيات الحلال والحرام، ولو كان أول ما نزل من القرآن لا تقربوا الزنا لقال الناس لا ندع الزنا أبدًا".

وقضية ثالثة: أَعْتبرُها أمَّ المشكلات التي يعاني منها المجتمع وحلها هو الحل الجذري الناجع بإذن الله؛ ألا وهي اختيار القيادات، فهي ليست عملاً سياسيًّا ولا سياديًّا، ولكنها عبادة نتدرب عليها في المسجد عندما نتعلم صلاة الجماعة لاختيار الإمام وأولي الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا تدريب المجتمع كله على اختيار القيادات الصالحة؛ لأننا باختيارنا لها نستجلب رحمات الله علينا وعليها ونضيف صلاحها إلى صلاحنا.. أما إذا حدث العكس كما حدث ويحدث فستجلب هذه العناصر الفاسدة من هم على شاكلتها، فالطيور على أشكالها تقع، ويصبح الفساد ليس ظاهرة أخلاقية فردية، بل عملاً منظمًا تقوم به هياكل من أصحاب المصالح تحرص على بقاء الفساد؛ لأنها منتفعة به، وتحرص على انتشاره ورواجه @831;إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ@830; (النور: من الآية 19)؛ حتى لا يكونوا هم وحدهم الشواذ الغريبين في المجتمع، وهذا أسوأ صور الفساد من لوبي الفساد المنظم من أصحاب المصالح، وفي هذا الصدد حديث جامع شديد التحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استعمل على قوم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أرضى لله منه؛ فقد خان الله ورسوله وأمانة المسلمين"، وهذه تعتبر خيانة عظمى بمفهوم العصر الحديث.


ويكفي أن نعلم أن واحدًا فقط من هؤلاء المفسدين المحميين بلوبي الفساد هرب بعد أن سرق مليارًا من الجنيهات بضمانات شفهية، وتمَّ التستر عليه بعد هروبه وحتى الآن من هذا اللوبي صاحب المصلحة، فكم يعالج هذا المليار من المشكلات ويحل من الأزمات؟ وأيضًا بدلاً من أن ننفق المليارات على علاج الفشلَيْن- الذين انضموا إلى مجموعات الفشل- الكبدي والكلوي والسرطانات المستعصية على العلاج، ألم يكن الأولى والأجدى أن نمنع وصول هذا المفسد الذي تولى وسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد؟! لأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، وقد تمت عشرات الإنذارات وبحت آلاف الأصوات المحذرة من ذلك "فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد"، وهذا الدرس المؤلم يجعلنا ننتبه ونقف صفًّا واحدًا لإبعاد باقي الفاسدين المفسدين "فنحن وهم في سفينة واحدة يريدون أن يغرقوها"، وإلا فسنظل ننفق المليارات على علاج آثار فسادهم وإفسادهم بلا جدوى.

وفي المقابل ألم يُمنع أهل الصلاح من تولي المسئوليات التربوية، وتم إحالة عشرات الآلاف منهم إلى أعمال إدارية، وأصدرت المحاكم آلاف الأحكام لبطلان قرارات إحالتهم هذه، وحرمان أبنائنا من تربية أهل الصلاح.. ألم يُحبس شباب الجماعات الإسلامية ظلمًا وعدوانًا بلا جريرة، وصدرت لهم عشرات بل مئات أحكام الإفراج ولم تُنفذ، ولم تحترم أحكام القضاء؟! ولعن الله قومًا ضاع الحق بينهم، بل مات منهم العشرات في السجون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس مؤمنة"؛ مصداقًا لقول الله عز وجل: @831;فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا@830; (المائدة: من الآية 32).



والحل سهل إذا خلصت النيات، ولزم كل واحد حدوده، وسألنا أهل الذكر إن كنا لا نعلم، إن عودة أوقاف الأزهر بل والأوقاف الإسلامية عامة حلٌّ جذريٌّ لتحرير الأزهر وعلمائه، وعدم تبديل وصية المسلمين الذين أوقفوا هذه الأوقاف @831;فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)@830; (البقرة)، يتحرر علماء الأزهر، خاصة المسئولين منهم؛ من سلطان الدولة والوظيفة والراتب، وتُختار قيادته بالانتخاب من أهل العلم والورع والتقوى، وهم بفضل الله في مصر كثيرون، ويضم إليهم لجنة من إخوانهم المشهود لهم في باقي الدول الإسلامية، وتُعرض عليهم القضايا الخلافية والمستجدات التي تحتاج إلى اجتهاد، ويجعلون أمرهم وأمر أمتهم شورى بينهم، ويتفقون على الاختيار الفقهي الأصوب، أو يفتحون باب الاختيار لتعدد الصواب؛ عندها نسمع قول الله عز وجل ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تلاوة الآية يتردَّد في أسماع الدنيا @831;قُلِ اللَّـهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)@830; (الزمر)، (اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق