الخميس، 28 أكتوبر 2010

انتفاضة طلاب جامعة الزقازيق ضد التدخلات الأمنية بالجامعة



تظاهر اليوم الأربعاء 27/10/2010  ما يقرب من 2000 طالب بجامعة الزقازيق ضد تدخلات الحرس الجامعي في الحياة العامة للطلاب وقيامه باعتداءات متكررة جعلت أساتذة جامعيين بجامعة القاهرة يرفعون دعوى تطالب بطرد الحرس الجامعي خارج أسوار الجامعة ؛ أخذ الموضوع أبعاداً كبيرة جاءت على إثر قرار المحكمة الإدارية العليا بطرد الحرس الجامعي وكان هذا قراراً نهائياً لا يقبل الطعون ؛ كان هذا وغيره سبباً في قيام طلاب الاخوان المسلمين وطلاب الجمعية الوطنية للتغيير وشباب حركة 6 أبريل بالقيام بهذه المظاهرة .
- هذا وقد تحدثت الطالبة سمية أشرف صاحبة أشهر قضية مثارة في الآونة الأخيرة وأعربت عن شكرها لكل من دافع عن حقها - الذي هو حق لكل المصريين - وطالبت السلطة بالافراج عن الطلاب المعتقلين من أجل الدفاع عن شرفها وشرف بنات مصر .
-من جانبه شارك في المهرجان الدكتور أحمد فهمي (الأستاذ بكلية الصيدلة ومرشح الاخوان بالزقازيق ) وطالب بتنفيذ قرار المحكمة الإدارية العليا بطرد الحرس الجامعي الذي اصبح لا يطاق من قبل الطلاب ناهيك عن الأساتذة الجامعيين ؛ وقال أنه عندما كان طالبا في السبعينيات لم يكن هناك حرساً للجامعة الأمر الذي جعل من هذا الجيل قيادات في جميع المجالات وفي شتى التيارات الفكرية مما يخدم مصالح مصر.
وأترككم مع الصور


الجمعة، 15 أكتوبر 2010

الأسرار الخفية للأحداث الجارية


لا يخفى على أحد ما يحدث الآن في مصر من أحداث_ بل أقول حوادث _ عصفت بواقعنا المرير الذي نحياه يوماً بعد يوم ، فلقد وقع أكثر من حدث خلال فترة قصيرة الواحد منهم جدير بأن يسقط حكومة في دولة محترمة .
- أول هذه الأحداث غلو الأسعار الشديد ؛ ففي الوقت الذي يطمح فيه العالم إلى التكنولوجيا وغزو الفضاء وقفت مطالب المصريين لحكومتهم برغيف عيش وأنبوبة غاز وأسعار تناسب مرتباتهم المتدنية .
- ثاني هذه الأحداث إغلاق القنوات الإسلامية ( الناس - الحافظ - الخليجية - الصحة والجمال ) لماذا ؟؟؟؟!!!
لأنهم قنوات غير محترمة تبث الرذيلة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
والسبب الحقيقي وراء إغلاقهم أن هذه القنوات وخصوصاً قناة الناس التي أصبحت تنافس كبرى القنوات الإخبارية التي تعادل ميزانيتها ميزانية بعض الدول كالجزيرة ، فقناة الناس في ترتيب القنوات الفضائية على النايل سات رقم 9 من حيث نسبة المشاهدة قبل الجزيرة في الترتيب رقم 22 بحسب شركة IPSOS ، وخصوصاً برنامج سهرة خاصة الذي يناقش أخبار مصر ويرصد واقع المصريين ؛ وبالتالي كان الرد واضحاً حتى لا يسمع الناس كلام الشيوخ فيما يخص مشاكلهم وحديثهم في السياسة ( في نظر الحكومة ) بأن رخصة القناة المصرح بها هي قناة دينية وليست متنوعة ، وبالتالي يريدون أن تكون القناة في أمور الدين البسيطة البعيدة عن الواقع. 
- ثالث هذه الأحداث ما يحدث في الجامعات من تزوير لإتحادات الطلاب واعتقالات إلى أن وصل الحد إلى ضرب طالبة في أزهر الزقازيق بعد أن رفضت أن تفتش من قبل الأمن فقام بالاعتداء عليها مما تسبب في نزيف داخلي ببطنها ورفض طاقم الإسعاف نقلها للمستشفى نتيجة ضغوط أمنية .
وتأتي أحداث الجامعة نتيجة طبيعية لحملة طلاب الاخوان المسلمين هذا العام بعنوان ( إصلاحيون ) لتوضح لعموم الطلاب حقيقة فكر الإخوان وتزيل الشبهات حول الجماعة بكل هدوء ؛ ولكن كانت هذه الحوادث رداً طبيعياً من الأمن ليقينهم في أن هذه الحملة ستؤثر في آراء الطلاب حول الجماعة وهذا ما يمثل تحدياً خطيراً وتحولاً في وجه الساحة السياسية لمصر فالشباب هم المستقبل .
- رابع هذه الأحداث إعتقالات داخل صفوف الاخوان بالجملة وإغلاق للمكتبات الإسلامية والمستوصفات الطبية الإسلامية ، ومبرر ذلك حقيقة ملموسة وهي قرار الجماعة بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب وبعدد 170 مرشح وهو عدد كبير في نظر الحكومة وتحدي لها فكان ما حدث .
 - إذاً فهي حرب جديدة على الشعب المصري المستكين وعلى كل من تسول له نفسه بكلمة الحق والدفاع عن الناس والمطالبة بحقوقهم  وحسبنا الله ونعم الوكيل .

الخميس، 7 أكتوبر 2010

الانتخابات .... رؤية شرعية (3)


التحالفات الانتخابية
والعملية الانتخابية تجرنا إلى بعض المسائل المتعلقة بها بعد أن أفضنا في بيان- لا أقول مشروعية الانتخابات- بل وجوب المشاركة في الانتخابات، وحرمة التخلف، وإثم القعود عن المشاركة ترشيحًا واقتراعًا، طالما ثبتت المصلحة الشرعية المعتبرة للمشاركة.

نأتي إلى مسألة ترد على ألسنة الكثيرين من الناس، وهي ما يسمى بالتربيطات والتحالفات الانتخابية.

فبعض الناس يقول: إن الإسلاميين، الذين يحملون المشروع الإسلامي، ربما تحالفوا مع من يحمل مشروعًا غير إسلامي أو غير ذلك.

فما حكم هذا التحالف، وما حكم هذا التنسيق أو هذه التربيطات.

وأقول أيها الأحبة:
أولاً: إذا كان التحالف مع جهتين إسلاميتين، أو بين مرشحين إسلاميين، يحملون المشروع الإسلامي، فهذا تحالف مبدئي والحاكم فيه على الطرفين هو الإسلام ومبادئه العامة، حتى إذا كان بين الفريقين بعض الاختلافات الشرعية في بعض المسائل الشرعية الجزئية، فثمة الكثير من المبادئ يتفق عليها الجميع، وإن من واجبنا أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.

أقول: بل يجب أن يقوم هذا التحالف بين حملة المشروع الإسلامي، بل هو من أقوى أنواع التحالف المأمور به شرعًا، لقول الله تعالى: @831;وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ@830; (المائدة: من الآية 2).

أما التحالف السياسي الذي يضطر إليه أحد المرشحين الإسلاميين، أو تضطر إليه جهة إسلامية، فتتعاون مع جهة لا تحمل المشروع الإسلامي، أو مع مرشح غير إسلامي، أو حتى مع مرشح غير مسلم، كالتحالف مع الجهات الوطنية والقومية وغيرها.

فهذا التحالف يجوز إذا كانت هناك قضايا سياسية عامة متفق عليها، تلتقي فيها وجهة النظر الإسلامية مع وجهة نظر أصحاب الاتجاهات الأخرى، كالقضايا الكثيرة التي يتفق عليها الجميع، مثل: قضية محاربة الفساد المالي والإداري في الدولة، وقضية محاربة الرشاوى، وقضية المطالبة بتعديل القوانين سيئة السمعة، أو القوانين المخالفة للشريعة حتى تنسجم مع أحكام الشريعة... إلى غير ذلك من قضايا الحريات والدعوة إلى رفع قوانين الطوارئ، والقوانين السيئة، فكل هذه الأمور المشتركة، لا بأس أن يحدث تحالف بين من يعمل على هذا الصعيد سواء كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين، يحملون المشروع الإسلامي، أو يحملون مشروعًا قوميًّا أو وطنيًّا أو غير ذلك، فلا بأس عندئذ بالالتقاء على هذه الأسس السياسية المشتركة والتي هي مقبولة من وجهة النظر الإسلامية، وهذا مما يساعد المرشح الإسلامي أو الجهة الإسلامية على تحقيق بعض أهدافها بالتعاون مع الجهات الأخرى التي تعيش معها في نفس المجتمع وتشاركها المواطنة، وتتقاسم معها هموم الوطن والمواطنين.

ومما يدل على جواز هذا التحالف، حلف الفضول، الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وقد كان حلفًا بين زعماء قريش على إغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، والتي جاء الإسلام بالدعوة إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوِ أُدْعَى بِهِ فِى الإِسْلاَمِ لأَجَبْتُ".

إذًا، لا بأس بالتحالف على المسائل المشروعة، والتي هي مقبولة من وجهة النظر الإسلامية.

أما التحالف مع من يُعلن رفض المشروع الإسلامي جملةً وتفصيلاً، ومع من يدعو إلى عدم تطبيق الشريعة، ومع من لا يلتزم بصميم الدستور الذي ينص على اعتبار الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد من مصادر التشريع، هذا هو غير الجائز شرعًا أن نعمل على إنجاح مرشح يكون همه محاربة الشريعة ومحاربة المشروع الإسلامي.

لكن التحالف مع غير الإسلاميين من القوميين والوطنيين وغيرهم من أجل قواعد مشتركة، أمر جائز لا أرى فيه أية شبهة مخالفة للشريعة أو لحقائق الدين، والله أعلم.

التصويت بالعصبية ممقوت
وهذا ينقلنا إلى مسألة التصويت بالعصبية أن يقوم أبناء قرية معينة، أو مدينة معينة أو حي معين، أو أهل عائلة معينة، بالتصويت لقريبهم، ولابن بلدهم، وغير هذا من الأسباب التي للأسف استشرت في مجتمعاتنا.

أحب أن أقول أيها الأحبة: إن الإسلام لما جاء وجد أهل الجاهلية يتعصبون لقبائلهم، ويتحزبون لانتماءاتهم العرقية، يفتخر بذلك بعضهم على بعض، فجاء الإسلام لينهى عن تلك العصبية الممقوتة، قال صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"(1).

وجاء الإسلام ليرتب على ذلك ترك العصبية للأهل والأقارب؛ لأن فيها اتباعًا للهوى وغمصًا للحق، وإنكارًا للعدل، وتسويغًا للباطل، ورضا بالظلم، وهذه كلها أمور تناقض تعاليم الإسلام السمحة، وتخالف قيمه النبيلة.

لقد جاء الإسلام يدعو المسلمين إلى التمسك بالحق والعدل حيثما كان، قال الله جل وعلا @831;وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى@830; (المائدة: من الآية 8). والمعنى لا يدفعنكم كراهيتكم لقوم، أو بغضكم لقوم، على ظلمهم أو انتقاص حقهم، بل اعدلوا فالعدل أقرب للتقوى، بل إن الإسلام يدعو المسلم أن يقول كلمة الحق ولو على نفسه، ولو على والديه، ولو على الأقربين، يقول جل وعلا: @831;يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)@830; (النساء).

إن الإسلام يلزم المسلم أن يكون قوامًا بالعدل، مؤديًا لشهادة الحق، قاصدًا بقوله وفعله وجه الله، صادعًا بالحق والعدل ولو على نفسه، ولو على أحب الناس إليه وآثرهم إليهم كوالديه وأقاربه وذوي رحمه.

إن الإسلام يحذر من العواطف في مثل هذه الأمور، ويحذر من الانحياز إلى صاحب الباطل بزعم قربه أو قرابته، فإن ذلك من اتباع الهوى، والانحراف عن الجادة.

ولذلك فإني أقول: إن عليك أيها الأخ المواطن الكريم، عندما تتقدم إلى الاقتراع، وتدلي بصوتك، ألا تتعصب إلا للحق، وألا تنحاز إلا إلى العدل، وأن تكون قوامًا لله بشهادتك، عليك أن تختار لأمتك أفضل من يمثلها، ويقوم بمصالحها، ولو لم يكن قريبًا لك، ولا من بلدك، عليك أن تتجنب اختيار من يسيء إلى الأمة، وإن كان أقرب إليك وأحب إلى نفسك؛ لأن هذا هو صحيح الإسلام.

شراء الأصوات
ويجرنا ذلك إلى قضية شراء الأصوات من بعض ذوي المال واليسار، حين يتدخل أصحاب الأموال، ليجمعوا ما بين الاقتصاد والسياسة فيقدمون الرشاوى للأمة بأشكال مختلفة.

ما حكم الذي يقدم رشوة لمواطن لكي يدلي بصوته لمصلحته؟

وما حكم الذي يأخذ هذه الرشوة؟
المعلوم من حقائق الشريعة أن الرشاوى بجميع أنواعها وأشكالها محرمة في شريعتنا الإسلامية، بل وفي كل الشرائع، وكل الناس يعتبرون الرشوة رذيلة من الرذائل والله تعالى يقول: @831;وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)@830; (البقرة).

والنبي صلى الله عليه وسلم يحرم قبول الرشوة بقصد أو بغير قصد، ويلعن الراشي والمرتشي والرائش أي الوسيط عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ. يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا"(2).

ولهذا فإنه لا يجوز لأي مرشح شراء الأصوات من أي واحد من الناخبين كما لا يجوز لأي ناخب أن يبيع صوته لأي واحد من المرشحين؛ لأن الانتخاب أمانة وشهادة، والمطلوب من المسلم أن يؤدي الشهادة لله بما يرضي الله، فإذا أخذ مبلغًا من المال، وأعطى صوته لمن يدفع له هذا المبلغ، فهي حينئذٍ شهادة زور، لا ترضي الله تبارك وتعالى، والذي يفعل ذلك مثله كمثل من يشهد على إنسان بريء أمام القضاء فيجرمه بغير حق، أو يشهد شهادة تؤدي إلى تبرئة مجرم، وهذه شهادة زور، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها بأبلغ صور النهي حين قال: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ"، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ(3).

وهذا الكلام يجرنا إلى الحديث عن ضوابط الاختيار وآداب المرشح.

إذا كانت الانتخابات هي الوسيلة التي تؤدي إلى اختيار من يمثل الأمة في شئون الحكم، وإدارة البلاد، وتقديم التشريعات، ورفع الضرر، وإزالة الظلم والفساد، وغير هذا.

وإذا كان المسلم وإذا كان المواطن يعطي رأيه في هذه الانتخابات، فإن من واجبه أن يختار السلطة والممثلين الإسلاميين الذين يحكمون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما لم يجد مرشحًا إسلاميًّا فعليه أن يختار الأفضل من بين المرشحين أو على الأقل، يختار الأقل ضررًا ولا يمتنع من إبداء رأيه، وذلك مبني على القاعدة الشرعية وهي اختيار أخف الضررين، وإن على من يمارس حقه في الترشيح والانتخاب أن يعرف الأحكام الشرعية الخاصة بهذا الأمر.

الشروط التي يجب توافرها فيمن يرشح نفسه لعضوية البرلمان
فالمرشح لنيل العضوية والقيام بتمثيل الأمة في البرلمان، يتطلب أن تتحقق فيه مجموعة من الشروط:

الشرط الأول: ألا تكون نيته التنافس على مناصب الدنيا، أو الحصول على مكسب من مكاسبها الزائلة فهذه آفة الآفات أن يتقدم لمصالحه الخاصة، وأن يضحك على الناس ويخدعهم بأنه يريد أن يحقق مصالحهم، والحقيقة أنه يسعى وراء مصالحه الشخصية، وربما ينفق في سبيل ذلك كثيرًا من الأموال، يعمل على استرداد أضعاف أضعاف هذه الأموال من خلال تحقيق مصالحه الشخصية.

يجب أن تكون نية المرشح أن يدخل لتقديم الخير للأمة، وعدم التنافس على مناصب الدنيا، بل ابتغاء وجه الله، وقيامًا بحق هذا الوطن ونفع هؤلاء الناس.

أما الشرط الثاني: فعليه ألا ينافس من هو أكفأ منه، وأجدر لهذا الموقع، فإذا علم أن أحد المرشحين أكفأ منه وأجدر وأقدر على القيام بهذا الأمر فإن عليه ألا يقدم نفسه في مواجهته.

الشرط الثالث: كذلك من الشروط: أن تتوفر فيه القدرة على القيام بحق هذا العمل، وأداء واجباته وتبعاته من الإصلاح والمتابعة، وما تقتضيه النيابة عن الأمة في تحقيق مصالحها، ورفع الظلم والضرر عنها، مثلما ذكر الله تبارك وتعالى على لسان بنت الرجل الصالح، عن سيدنا موسى- عليه السلام-: @831;إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ@830; (القصص: من الآية 26). ومثلما ذكر الله على لسان سيدنا يوسف- عليه السلام- حين تقدم لولاية الشئون المالية: @831;قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)@830; (يوسف).

أما أن يتقدم أي إنسان وليست لديه القدرة على القيام بهذا الأمر فهذا أمر يجعل طلبه غير مشروع.

ولهذا فإن الذين يستحقون أن يتقدموا للترشيح، هم أصحاب الكفاية العلمية والأخلاقية- الذين لهم قواعد جماهيرية في البلاد المختلفة التي يمثلونها، والذين لهم امتدادات من إخوانهم وأحبائهم، يرفعون إليهم مظلوميات الأمة، ويرفعون إليهم واقع الأمة، ويرفعون إليهم حاجات الأمة، ويساعدونهم على تحقيق مصالح الأمة.

المرشح الذي يتقدم لا يجب أن يكون مرشحًا منقطعًا ليست له قواعد جماهيرية في مختلفة أرجاء الدائرة التي يمثلها بل يجب أن يكون هذا المرشح له قواعده في مختلف أرجاء الدائرة من إخوان صادقين ناصحين، ينقلون له نبض الجماهير، وأحاسيس الأمة، ينقلون إليهم مشاكلها ويساعدونه على أن يقف على واقع الأمر، وينقلون إلى الناس كذلك ما يتقدم به وما يقدمه، هذا ما يجب أن يتوفر فيمن يتقدم للترشيح نيابة عن الأمة.

آداب الدعاية الانتخابية
وعليه حينما يقوم بالدعاية أن يتمتع بمجموعة من الآداب:
الأدب الأول: مهم جدًّا ألا ينشغل في مرحلة الدعاية عن واجباته الشرعية وطاعته لله، المرشح الذي ينشغل بالدعاية عن الصلاة، وينشغل بالدعاية عن طاعة الله أحرى أن ينشغل بعد الدعاية عن الأمة التي وكلته، المرشح الذي لا يخاف الله تبارك وتعالى ولا يراقبه أحرى إذا كان لا يخاف من الله، ولا يراقب الله، أحرى ألا يراقب الذين انتخبوا وألا يسعى في مصالحهم بعد ذلك.

الأدب الثاني: التحلي بالخلق الإسلامي الرفيع بين الناس، وأن يكون مهذبًا في عباراته مؤدبًا في ألفاظه جيدًا في سلوكه.

الأدب الثالث: يجب عليه ألا يتكلف المبالغ الطائلة في حملته الانتخابية حتى لا يقع في الإسراف الذي جاء النهى عنه شرعا: @831;وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ@830; (الأنعام: من الآية 141).

الأدب الرابع: ألا يذكر أحد منافسيه بالسوء وألا يفتري على الناس كذبًا وبهتانا: @831;وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ@830; (الصف: من الآية 7).

إن المنافسة الانتخابية لا تعطي لأحد الحق في أن يتجاوز الآداب والقيم الإسلامية في الحديث عن المخالف، لا يجوز لمن يتقدم نيابة عن الأمة أن يكون لسانه سليطًا حديدًا يعيب الناس بما ليس فيهم ويتكلم على الناس بالسوء.

إن الذي تكون حملته الانتخابية عبارة عن إساءة للآخرين، هو إنسان فج، لا يصح أن يعبر عن الأمة، ولا أن يمثلها في شيء؛ لأن مثل هذا الشخص حري إذا حقق مصلحته ألا ينظر إلى مصالح الأمة، وحري إن تكلم مع الناس عند الترشح بلسان لين أن يتكلم معهم بعد ذلك بلسان حديد قبيح شديد.

الأدب الخامس: من الآداب التي يجب أن يتمتع بها المرشح في دعايته أن يكون صادقًا لا يعد بما يعلم أنه قد يكون غير قادر على تنفيذه، فإن الوفاء بالعهد من الإيمان وإن خُلف الوعد صفة من صفات النفاق.

الأدب السادس: ألا يقدم رشاوى للناخبين أي كان نوعها، سواء أكانت رشاوى مباشرة مادية مباشرة أم غير مباشرة، كأن يعين ابن هذا، ويعمل مصلحة لهذا بغرض شراء صوته؛ لا احتسابًا لوجه الله.

آداب الناخب
وفي المقابل فإن على الناخب أن يبحث عن الأكفأ ليختاره ممن تتوافر فيه الكفاية والقدرة على القيام بالعمل الذي سيوكل له بعدالة وحكمة.

إذا توافرت الشروط التي سبق ذكرها في المرشح، فلا يجوز لك أن تختار غيره، ولو بحجة مبادلة الأصوات أو شرائها، لا يجوز أن تبيع صوتك في هذه الحالة بل عليك أن تختار الأكفأ الذي توفرت فيه شروط القدرة على القيام بهذا الواجب.

- كذلك على الناخب أن يحذر أن يكون اعتبار الاختيار هو صلة القرابة أو الصداقة أو الجوار أو البلدية أو المصلحة أو العصبية للعائلة أو العصبية لفرقة ينتمي إليها ونحو هذا.

- وأشد من ذلك أن تحذر أن يكون اختيارك قائمًا على أساس من الرشوة سواء كانت الرشوة مادية أو معنوية فهي حرام شرعًا.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

الانتخابات.. رؤية شرعية (2)


في مقاطعة الانتخابات تعطيل للقواعد الشرعية:
إن مقاطعة الانتخابات ترشيحًا أو اقتراعًا، في هذه الظروف التي نعيشها، ما لم تكن له أسباب مصلحية معتبرة، من شأنه أن يُعطِّل جميع القواعد الفقهية التي تتعلق برفع الحرج عن الأمة.

إن القواعد الشرعية تقول: المشقة تجلب التيسير.
وتقول: إذا ضاق الأمر اتسع.
وتقول: الضرر يُزال.
وتقول: الضرر لا يُزال بالضرر.
وتقول: إذا تعارضت مفسدتان رُوعِي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما.
وتقول: درء المفاسد مقدَّم على جلب المنافع.
وتقول: يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام.
وتقول: يجب الأخذ بأخف الضررين وأهون الشرَّين، إلى آخر هذه القواعد التي تتعلق برفع الحرج عن الأمة، وإن المقاطعة تُعطِّل هذه القواعد، بل المقاطعة هي سكوتٌ عن الحق، وهي قبولٌ بالمنكر، وهي قعودٌ عن الإقدام على تغييره، ولا شك أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والساكت على المنكر، هو ذلك المعنى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُوُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ".

وإن أشد المنكرات خطورةً لهي المنكرات السياسية، التي تُؤصِّل للاستبداد، وتمنع الناس حقوقهم، فتترتب عليها المظالم الاجتماعية والمفاسد الاقتصادية، وسائر أنواع الفساد في كل نواحي الحياة.

المشاركة تدرئ المفاسد عن الأمة:
إن المشاركة الانتخابية ترشيحًا واقتراعًا، من شأنها أن تدرئ الكثير من المفاسد عن الأمة، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يحقِّق الأداء النيابي الأهداف التالية:

أولاً: تقويم بعض السياسات التربوية، التي من شأنها حين يتم تقويمها أن تنعكس إيجابًا على تكوين أجيال مسلحة بالعلم والأخلاق، تبني مجدها، وترفع لواء أمتها.

ثانيًا: تقويم بعض السياسات الإعلامية، التي من شأنها أن تنتقل بوسائل الإعلام من حالة التخريب الأخلاقي إلى حالة البناء.

ثالثًا: تقويم بعض السياسات الاقتصادية، التي من شأنها أن تحقق للأمة الكفاية والرفاهية والعيش الكريم، في التعليم والغذاء والعلاج والإسكان، وغير ذلك، إضافةً إلى ما يمكن استحداثه من مؤسسات مصرفية غير ربوية؛ تدفع الحرج الشرعي عن المسلمين، وتيسِّر للمتورعين عن التعاطي الربوي فرصة استثمار أموالهم استثمارًا شرعيًّا حلالاً.

رابعًا: تقويم بعض السلوكيات من خلال تقديم مشاريع بقوانين من شأنها الحد من التداعيات الأخلاقية، وكبح جماح ظواهر العُهر والفجور والفساد الأخلاقي والتحلل الأخلاقي، وتعاطي المخدرات، وغيرها من أسباب الإدمان الكحولية وغير الكحولية، ومن خلال تحصين الأجيال المسلمة، ودفعها إلى التمسك بالقيم الدينية والمكارم الأخلاقية.

خامسًا: تقويم بعض السياسات البيئية، والتي من شأنها حين يتم تقويمها التخفيف من الأخطار الناجمة عن تخلف أساليب التخلُّص من النفايات ودخان المصانع والسيارات، إضافةً إلى المخاطر الناجمة عن شركات ومستودعات الغاز والنفط المتجاوزة أبسط قواعد المحافظة على الاعتبارات البيئية والصحية والأمنية.

مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني من خلال المجالس النيابية:
إن العمل من خلال المجالس النيابية والتشريعية، يُمَكِّن من تحقيق المواجهة الصحيحة للمشروع الأمريكي الصهيوني، ويمكن من خلال ذلك وقف زحف العولمة الفكرية والتربوية والإعلامية والأمنية والعسكرية، على غرار ما تقوم به المقاومة الباسلة في فلسطين والعراق وغيرها، والتي تواجه هذا المشروع في الميدان العسكري، ومن شأن دخول الصوت الإسلامي البر الطيب النافع أن يوفر دعمًا قويًّا، وأن يُعلِّي من الحس الوطني الجهادي الذي يساعد على مواجهة هذه المشاريع، التي تهدف إلى تغريب الأمة وبسط هيمنة الأجانب عليها، والتي يسعى النظام الدولي وقوى الاستخبار في العالم إلى فرضها على منطقتنا.

الانتخابات مشروع شرعي أصيل:
ثم إني أقول لأولئك الذين يتصورون أن الانتخابات ليس لها أصل شرعي.
أقول: بل الانتخابات مفهوم شرعي أصيل.
إن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايعه الأنصار في بيعة العقبة الثانية قال: "أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ عَلَى كفلاء قَوْمِهِمْ وأكون كفيلاً على قومي".

إذًا النبي يطلب من جموع الأنصار التي جاءت تبايعه أن تخرج له اثني عشر نقيبًا، ومعنى هذا أن تنتخب هذه المجموعة اثني عشر يمثلون هذه المجموعة كلها، وينوبون عنهم في عقد المبايعة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

صحيح لم يحدث انتخابات بالصورة التي تحدث في يومنا هذا، لكن هذه كلها أشكال لعملية الانتخاب، لكن المضمون واحد، وهو عملية الانتخاب.

بل أرسل الله إلى بني إسرائيل وبعث منهم اثني عشر نقيبًا.

والمقصود بالنقابة أن النقيب كفيل عن قومه.

فقضية انتخاب فئة تمثل الأمة قضية إسلامية ومفهوم إسلامي أصيل، وأشكال هذا الدور يتغيِّر من وقتٍ إلى آخر، ولا بأسَ من ذلك ما دام المضمون قائمًا وصحيحًا.

التزوير للانتخابات لا يدفعنا إلى اليأس:
وأقول للذين يتقاعسون، ويقولون: نحن نقاطع الانتخابات لأنها ستُزور مثل كل مرة، ولن ينجح أحد ممن سنختارهم، والأولى بنا أن نقاطعها؛ لأنها لا فائدةَ من الإدلاء بالصوت فيها؛ لأن النتيجة محسومة سلفًا.

أقول لهؤلاء: أيها الأحبة، لقد قرر الإسلام الشورى باعتبارها قاعدة من قواعد الحياة الإسلامية، وأوجب على الحاكم أن يستشير، وأوجب عن الأمة أن تتناصح، واعتبر النصيحة هي الدين كله، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" فقال الصحابة: لِمَنْ؟ قَالَ: "للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".

ومعنى النصيحة لأئمة المسلمين، أي: لأمرائهم وحكامهم، فقد جعل الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً لازمةً، وجعل أفضل الجهاد كلمة حق تُقال عند سلطان جائر، وجعل مقاومة الطغيان والاستبداد والفساد أرجح عند الله من مقاومة الغزو الخارجي، واعتبر المجاهد بكلمة الحق عند الجوَرة والظَلمة، أعلى درجةً من المجاهد في الميدان؛ لأن الغزو الخارجي غالبًا ما يأتي عند حصول الفساد الداخلي، وإذا نظرنا إلى نظام الانتخاب أو التصويت، فإنه باب من أبواب النصيحة الشرعية التي لا يصح التخلُّف عنها لأي سببٍ من الأسباب.

ومن واجبنا أن نعمل على إنقاذ السفينة، شاء الناس أم أبوا، قبل المفسدون أم رفضوا، إنما نحن الذين يجب أن نقوم بدورنا، وأن نمنع بخروجنا وبمواقفنا التزوير، ونمنع تزوير إرادة الأمة بخروجنا.

ثم إن الانتخاب يعدُّ شهادةً للمرشح بالصلاحية، ومن ثَمَّ يجب أن يتوفر في الإنسان الذي يترشح والذي يُعطى هذا الصوت، يجب أن تتوفر فيه العدالة، ويجب أن تتوفر فيه الأسباب التي تجعله صالحًا للقبول، وعندئذٍ تكون الشهادة له شهادة حق، أما الشهادة لغير الصالح وغير الكفء وتقديمه؛ فهو لون من ألوان الزور الذي أمرنا الله باجتنابه فقال: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج: من الآية 30).

نعم إنه لا يحل لنا أن نشهد بالصلاحية لمرشحٍ لمجرد أنه قريب أو ابن بلد أو لمنفعة شخصية قدَّمها، أو ترتجى من ورائه، بل يجب أن تُقام الشهادة لله: ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلهِ﴾ (الطلاق: من الآية 2).

والذي يتخلف عن أداء هذا الواجب، وعن أداء هذه الشهادة ويؤدي تخلفه إلى رسوب الكفء الأمين، وإلى فوز غيره، ممن لم تتوفر فيه أوصاف القوي الأمين، فالذي يفعل هذا يكون قد خالف أمر الله في الشهادة، فقد دُعي للشهادةِ فأبى، والله تعالى يقول: ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ (البقرة: 282).

وكَتَم الشهادة حين احتاجتها الأمة، فالله تعالى يقول: ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية 283).

ليس الترشيح تزكية للنفس المنهي عنها:
سائل يسأل: أليس الترشح بابًا من أبواب تزكية النفس؟ وهو أمر غير مقبول شرعًا، فالذي يرشح نفسه للدخول في الانتخابات، ألا يدخل ذلك من باب التزكية؟، والله تعالى يقول: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ (النجم: من الآية 32).

نقول: ليس الترشح للانتخابات- إذا صحت نية المتقدِّم والمرشح- من باب تزكية النفس، إنما يدخل في بابٍ من يظن في نفسه القدرة على تمثيل الناس، والمطالبة بحقوقهم، ورفع الظلم عنهم، وأداء المصلحة لهم، وهذا أشبه بقول سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: من الآية 55)، فهو عليه السلام وعلى أنبيائنا أجمعين، قدَّم نفسه إلى الولاية على الشئون المالية للناس؛ لما يعلم في نفسه من الأمانة والحفظ، أما طلب الإمارة، فهذا الذي جاء في الشريعة التحذير منه، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا وَاللَّهِ لاَ نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ"، وهذا بالنسبة للولاية العامة على شئون الأمة، أما التمثيل النيابي في البرلمان، فهو وكالة عن الأمة للمطالبة بحقوقها، ورفع الظلم عنها، ودرء المفاسد عنها، ومحاسبة الحكومات، ومتابعة عملها، وليس له علاقة بالولاية التمثيلية التي يقوم بها رئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير أو رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو غيرها من الولايات العامة على الأمة.

ومع ذلك فإننا نرى أن تقوم الحركات الإسلامية يترشيح مَن تتوسم فيه الخير من أعضائها أو من غيرها من الإسلاميين، الذين يحملون المشروع الإسلامي، وتقدمهم إلى الأمة، وتدعو الناس إلى انتخابهم، وبهذا تُبعِد أية شبهة في طلب الولاية، أو في تزكية النفس، وهذا ما تفعله الحركة الإسلامية حين تختار بعض رموزها أو بعض أفرادها، أو بعض من تتوسم فيهم الخير؛ لتقدمهم إلى الترشح، ليمثلوا الأمة في المجالس التشريعية.
وللحديث بقية بإذن الله تعالى.
-----------
* أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد.